السودان: النفط يحظى بحماية دولية بينما تستمر المأساة الإنسانية
في تطور يكشف عن أولويات مثيرة للجدل، نجح طرفا الصراع السوداني في التوصل إلى اتفاق ثلاثي مع دولة جنوب السودان لحماية منشآت النفط في منطقة هجليج، بينما فشلت عشر مبادرات دولية وإقليمية في وقف نزيف الدم المستمر منذ أبريل 2023.
اتفاق استثنائي وسط جمود سياسي
يمثل هذا الاتفاق نقطة تحول في ديناميكيات الصراع، حيث استقبلت بورتسودان وفداً برئاسة توت قلواك، مستشار الرئيس سلفاكير ميارديت للشؤون الأمنية، لبحث آليات تأمين المنشآت النفطية.
وتكتسب منطقة هجليج أهمية استراتيجية بالغة، حيث تضم واحدة من أكبر المنشآت النفطية لدولة جنوب السودان، كما يشكل مرور النفط عبر الأراضي السودانية مصدر دخل حيوي لخزينة بورتسودان، بمعدل رسوم يصل إلى 23 دولاراً للبرميل الواحد.
تناقض مؤلم في الأولويات
يثير هذا الاتفاق تساؤلات عميقة حول الأولويات، خاصة مع استمرار رفض الطرفين للمبادرات الإنسانية. وفقاً لتقديرات دولية، أودت الحرب بحياة نحو 150 ألف شخص وشردت الملايين.
يعلق عمر الدقير، رئيس حزب المؤتمر السوداني: "المسؤولية الأخلاقية والإنسانية تحتم استدعاء ذات الإرادة التي أفضت لاتفاق حماية منشآت النفط، وتوجيهها إلى ما هو أولى وأسمى بالتوقيف على هدنة لحماية حق الإنسان المقدس في الحياة".
تحليل استراتيجي للأزمة
يرى الباحث السياسي محمد أحمد أن الاتفاق كشف حقيقة أن "السودان لم يعد يملك سيادته على موارده الحيوية، ولم يعد قادراً على حماية أرضه أو اقتصاداته الوطنية من دون تدخل خارجي".
من جانبه، يؤكد المحلل دوت ميوين ملونق كوال أن نقل المعارك إلى هجليج يمثل "إعلاناً رسمياً بأن الحرب أصبحت صراعاً إقليمياً مفتوحاً"، مشيراً إلى أن الهجوم الأخير لقوات الدعم السريع دفع الجيش للهروب جنوباً وطلب اللجوء في دولة كانت هي نفسها ضحية للرصاص المتطاير.
تعقيدات تاريخية وجغرافية
تعود جذور هذه الأزمة إلى اتفاقية السلام الموقعة عام 2005 بين حكومة السودان والحركة الشعبية، والتي تركت مناطق حدودية معلقة أصبحت لاحقاً ورقة ضغط دائمة في المفاوضات المستقبلية.
وتربط اتفاقات تصدير النفط بعد الانفصال السودان ودولة جنوب السودان في علاقة تبعية متبادلة معقدة، حيث ينتج الجنوب النفط بمعدل يقارب المليون برميل يومياً، بينما يملك الشمال المنافذ البحرية وخطوط التصدير.
يبقى السؤال الجوهري: كيف يمكن لطرفين يتفقان على حماية النفط أن يفشلا في الاتفاق على حماية الأرواح البشرية؟